فصل: بَابُ الْإِمَامَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الْإِمَامَةِ:

(الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ».
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا، وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا مُنَافِقٌ، قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ، إنْ كَانَ الْمَرِيضُ لِيَمْشِيَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَأَنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ، قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ، حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطَّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا، وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ. انتهى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالْمُؤَذِّنِ فَيُؤَذِّنَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا، فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقُ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمُ الْحَطَبِ، إلَى قَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاةِ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْجُمُعَةِ عَنْ الْجَمَاعَةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: بَلْ هُمَا رِوَايَتَانِ: رِوَايَةُ فِي الْجُمُعَةِ، وَرِوَايَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَرَخَّصَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْهُ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، قَالَ: «جِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ، وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي، فَهَلْ تَجِدْ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ: أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَحَيَّ هَلًا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مُرْسَلًا، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَاهُ لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً تُحَصِّلُ لَك فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهَا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ إيجَابُ الْحُضُورِ عَلَى الْأَعْمَى، فَقَدْ رَخَّصَ لِعِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ مَغْرَاءَ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: خَوْفٌ، أَوْ مَرَضٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى تَضْعِيفِ الْكَلْبِيِّ، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ صَدُوقٌ، إلَّا أَنَّهُ يُدَلِّسُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إلَّا مِنْ عُذْرٍ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَبِهِ أَخَذَ دَاوُد فِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ: «يَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وَأَخْرَجَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا»، وَفِي لَفْظٍ: «تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، نَحْوَهُ، وَقَالَ: «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، وَزَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ: «فَإِنْ صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً»، وَإِسْنَادُهَا جَيِّدٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ آخَرَ أَخْرَجَه، الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَضْعُفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ، لَا تُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاتِهِ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ» انْتَهَى.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: «وَبِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا»، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «دَرَجَةً».
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ» انْتَهَى.
وَهُوَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ: «وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ،وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ،فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَكُلَّهُ» انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى»، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي بَصِيرٍ سَكَتُوا عَنْهُ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ قَبَاثِ بْنِ أَشَيْمَ الصَّحَابِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَضَمِّهَا، بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، وَآخِرُهُ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ، لَا يُقَامُ فِيهِمَا الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ.
(وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَقْرَؤُهُمْ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَالْحَاجَةُ إلَى الْعِلْمِ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ وَنَحْنُ نَقُولُ: الْقِرَاءَةُ مُفْتَقَرٌ إلَيْهَا لِرُكْنٍ وَاحِدٍ، وَالْعِلْمُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ (فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَقْرَؤُهُمْ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» وَأَقْرَؤُهُمْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ فَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فَقَدَّمْنَا الْأَعْلَمَ.
(فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَوْرَعُهُمْ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ».
(فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ) «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا» وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السِّتُّونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ»، قَالَ الْأَشَجُّ فِي رِوَايَتِهِ: مَكَانُ: سِلْمًا، سِنًّا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ قَالَ: عِوَضَ قَوْلِهِ: «فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا، فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً، فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا» انْتَهَى.
قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ «أَفْقَهُهُمْ فِقْهًا»، وَهِيَ لَفْظَةٌ عَزِيزَةٌ غَرِيبَةٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ، وَسَنَدُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ بِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَفْقَهُهُمْ فِي الدِّينِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً، فَأَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُقْعَدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ، وَالْبَاقُونَ مِنْ الْأَئِمَّةِ يُخَالِفُونَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَقُولُونَ: إنَّ الْأَقْرَأَ لِكِتَابِ اللَّهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَالِمِ، كَمَا هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ، حَتَّى إذَا اجْتَمَعَ مِنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ، وَفَقِيهٌ يَحْفَظُ يَسِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ، قُدِّمَ حَافِظُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ: يُقَدَّمُ الْفَقِيهُ، وَأَجَابَ صَاحِبُ الْكِتَابِ: بِأَنَّ الْأَقْرَأَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ أَعْلَمُهُمْ، وَهَذَا يَرُدُّهُ لَفْظُ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ، وَيُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا لَفْظُهُ الثَّانِي، إلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَيَشْهَدُ لِلْخَصْمِ أَيْضًا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا بِمَاءٍ وَكَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، فَنَسْأَلُهُمْ، مَا لِلنَّاسِ مَا لِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، أَوْ أَوْحَى إلَيْهِ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اُتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمَهُ بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: جِئْتُكُمْ، وَاَللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ حَقًّا، فَقَالَ: صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، فَنَظَرُوا، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، لِمَا كُنْت أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ، أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ إذَا سَجَدْت تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّونَ عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟، فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْت بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ» انْتَهَى.
وَلَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ لِعَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ شَيْئًا.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَمِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى ح وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدِ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْوَرَّاقُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ الْقَاسِمِ الشَّامِيِّ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُقْبَلَ صَلَاتُكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ عُلَمَاؤُكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ»، وَسَكَتَ عَنْهُ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْمُؤَدَّبِ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ»،انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. انتهى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَحُسَيْنُ بْنِ نَصْرٍ لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْهُ، قَالَ: «أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا، وَصَاحِبٌ لِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ لَنَا: إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» انْتَهَى لِمُسْلِمٍ، أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا.
(وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ لَا يَفْرُغُ لِلتَّعَلُّمِ (وَالْأَعْرَابِيِّ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ الْجَهْلُ (وَالْفَاسِقِ) لِأَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ لِأَمْرِ دِينِهِ (وَالْأَعْمَى) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ (وَوَلَدِ الزِّنَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُثَقِّفُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ، وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ هَؤُلَاءِ تَنْفِيرَ الْجَمَاعَةِ فَيُكْرَهُ (وَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «صُلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ. انتهى.
وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ، وَأَعَلَّهُ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِانْقِطَاعِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي، وَقَالَ إنَّهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، وَضَعَّفَهُ بِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُ، قَالَ: «الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ، مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ»، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ مَكْحُولٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «سَيَلِيكُمْ مِنْ بَعْدِي وُلَاةٌ: الْبَرُّ بِبِرِّهِ، وَالْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ، وَأَطِيعُوا فِيمَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَصَلُّوا وَرَاءَهُمْ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ هَذَا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ: «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ»، فَقَالَ: مَا سَمِعْنَا بِهِ. انتهى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ يَقْظَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الشَّامِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُكَفِّرُوا أَهْلَ مِلَّتِكُمْ، وَإِنْ عَمِلُوا الْكَبَائِرَ، وَصَلُّوا مَعَ كُلِّ إمَامٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ» انْتَهَى.
وَأَبُو سَعِيدٍ هَذَا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَجْهُولٌ، وَعُتْبَةُ، قَالَ ابْنُ الْجُنَيْدِ: لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَسْنَدَ إلَى ابْنِ مَعِينٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَصَلُّوا وَرَاءَ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُهُ يُشْبِهُ حَدِيثَ أَهْلِ الْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَانَ كَذَّابًا. انتهى.
وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ سُوَيْد بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى وَاهِيَةٍ: أَحَدُهَا: فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَنَسَبَهُ إلَى الْكَذِبِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ.
وَالْأُخْرَى: فِيهَا الْوَلِيدُ الْمَخْزُومِيُّ خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَنَسَبَهُ إلَى الْوَضْعِ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ.
وَالْأُخْرَى: فِيهَا وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ الْقَاضِي، وَنَسَبَهُ أَحْمَدُ إلَى الْوَضْعِ.
وَالْأُخْرَى: فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ الْعُثْمَانِيِّ، وَنُسِبَ إلَى الْوَضْعِ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ وَابْنِ حِبَّانَ، وَحَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحَدِيثُ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ، كِلَاهُمَا فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ صُبْحٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ.
وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ مِنْ السُّنَّةِ: الصَّفُّ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ، لَك صَلَاتُك، وَعَلَيْهِ إثْمُهُ، وَالْجِهَادُ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، لَك جِهَادُك، وَعَلَيْهِ شَرُّهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَإِنْ كَانَ قَاتِلَ نَفْسِهِ» انْتَهَى.
قَالَ عُمَرُ بْنُ صَبِيحٍ مَتْرُوكٌ. انتهى.
وَفِي تَحْقِيقِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ فُرَاتِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلْوَانَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَصْلِ الدِّينِ الصَّلَاةُ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَالْجِهَادُ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، وَالصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ شَيْءٌ يَثْبُتُ.
وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيُّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ، وَقَالَ: فُرَاتُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، يَأْتِي بِمَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ مَعْمُولٌ، لَكِنْ سَمَّاهُ فُرَاتُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَالْحَارِثُ، فَقَالَ فِيهِ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ كَذَّابًا. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْفَضْلِ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ مُكْرَمِ بْنِ حَكِيمٍ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ سَيْفِ بْنِ مُنِيرٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُكَفِّرُوا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَصَلُّوا خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ» انْتَهَى.
وَالْوَلِيدُ بْنُ الْفَضْلِ الْعَنَزِيُّ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ لَهُ: يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ الَّتِي لَا يُشَكُّ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ، وَمُكْرَمُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ الْأَزْدِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَسَيْفٌ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ.
(وَلَا يُطَوِّلُ الْإِمَامُ بِهِمْ الصَّلَاةَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُصَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ أَمَّ قَوْمًا، فَلْيُصَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَةِ».
قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ، وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «وَالْمَرِيضَ»، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَالْمَرِيضَ، وَذَا الْحَاجَةِ».
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلَانٌ، قَالَ: فَمَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ: الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ» انْتَهَى.
زَادَ فِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «وَالْمَرِيضَ».
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «مَا صَلَّيْت وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَفَّ النَّاسِ فِي تَمَامٍ» انْتَهَى.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: «آخَرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَمْت قَوْمًا فَأَخِفَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لَهُ: «أُمَّ قَوْمَك، فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ، وَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ، فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ مُعَاذٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «صَلَّى مُعَاذٌ لِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ، فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا، فَصَلَّى، فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ، فَقَالَ: إنَّهُ مُنَافِقٌ، فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟ إذَا أَمَمْت بِالنَّاسِ، فَاقْرَأْ {بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} وَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى}، وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك}، {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى}»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ»، الْحَدِيثَ.
وَفِي لَفْظٍ لَهُ: «فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْحَرَفَ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، وَانْصَرَفَ»، الْحَدِيثَ، هَكَذَا رِوَايَاتُ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَنَّهَا كَانَتْ الْمَغْرِبَ أَخْرَجَهُ عَنْ حَزْمِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ أَتَى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَك الْكَبِيرُ، وَالضَّعِيفُ، وَذُو الْحَاجَةِ، وَالْمُسَافِرُ»، انْتَهَى.
وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّ السُّورَةَ كَانَتْ {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ}، وَالْمَشْهُورُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهَا كَانَتْ الْبَقَرَةُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي جَاءَ، قِيلَ فِيهِ: حَزْمٌ، وَقِيلَ فِيهِ: حَازِمٌ، وَقِيلَ: حِزَامٌ، وَقِيلَ: سُلَيْمٌ، فَعْلَلٌّ ذَلِكَ كَانَ فِي وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَنْسَاهُ، وَرَدَّ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ الْمَغْرِبِ، وَقَالَ: إنَّ رِوَايَاتِ الْعِشَاءِ أَصَحُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى، وَلَعَلَّهُ قَرَأَ الْبَقَرَةَ فِي رَكْعَةٍ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ {اقْتَرَبَتْ} فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى، فَانْصَرَفَ آخَرُ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، فَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَنَّهَا شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، هَلْ حُفِظَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَمْ لَا؟ لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بِدُونِهَا، وَانْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ. انْتَهَى.
وَرَوَى النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِيرِ حَدِيثَ مُعَاذٍ، وَسَمَّى الرَّجُلَ: حَرَامًا أَعْنِي الْمُنْصَرِفَ.
(وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ الْجَمَاعَةَ) لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ وَهُوَ قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ فَيُكْرَهُ كَالْعُرَاةِ (فَإِنْ فَعَلْنَ قَامَتْ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ) لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَعَلَتْ كَذَلِكَ، وَحَمَلَ فِعْلَهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ زِيَادَةَ الْكَشْفِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا أَمَّتْ نِسْوَةً فِي الْمَكْتُوبَةِ، فَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ وَسَطًا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ، وَتَؤُمُّ النِّسَاءَ، فَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ، وَسَكَتَ عَنْهُ. انتهى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ النَّهْدِيِّ عَنْ رَيْطَةَ الْحَنَفِيَّةِ «أَنَّ عَائِشَةَ أَمَّتْهُنَّ، وَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ فِي صَلَاةِ مَكْتُوبَةٍ»، انْتَهَى.
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا، وَلَفْظُهُمَا: فَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ وَسَطًا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ سَنَدُهُ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ، تَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ»، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ «أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَتَقُومُ وَسَطًا»، انْتَهَى.
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا، وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ قَالُوا ثَلَاثَتُهُمْ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، يُقَالُ لَهَا: حُجَيْرَةُ بِنْتُ حُصَيْنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا أَمَّتْهُنَّ، فَقَامَتْ وَسَطًا. انْتَهَى.
وَلَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَتْ: «أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ، فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَقَامَتْ بَيْنَنَا»، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ أَنَّهَا رَأَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَؤُمُّ النِّسَاءَ، فَتَقُومُ مَعَهُنَّ فِي صَفِّهِنَّ. انتهى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ لَيْلَى بِنْتِ مَالِكٍ.
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَزَا بَدْرًا، قَالَتْ: قُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ مَعَكَ، أُمَرِّضُ مَرَضَاكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنِي شَهَادَةً، قَالَ: قُومِي فِي بَيْتِك، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُك الشَّهَادَةَ، قَالَ: فَكَانَتْ تُسَمَّى: الشَّهِيدَةَ، قَالَ: وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ، فَاسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَّخِذَ فِي دَارِهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، قَالَ: وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلَامًا لَهَا، وَجَارِيَةً، فَقَامَا إلَيْهَا بِاللَّيْلِ، فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ، وَذَهَبَا، فَأَصْبَحَ عُمَرُ، فَقَامَ فِي النَّاسِ، فَقَالَ: مَنْ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ، أَوْ مَنْ رَآهُمَا، فَلْيَجِئْ بِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا، فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبٍ بِالْمَدِينَةِ»، انْتَهَى.
ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا فِي بَيْتِهَا، وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا، قَالَ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ: فَأَنَا رَأَيْت مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَلَفْظُهُ: «وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا فِي الْفَرَائِضِ»، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ فِي الْبَابِ حَدِيثًا مُسْنَدًا غَيْرَ هَذَا، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِالْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ فِيهِ مَقَالٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ لَا يُعْرَفُ حَالُهُمَا. انتهى.
قُلْت: ذَكَرَهُمَا ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ.
وَأَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلَا إقَامَةٌ، وَلَا جُمُعَةٌ، وَلَا اغْتِسَالٌ، وَلَا تَتَقَدَّمُهُنَّ امْرَأَةٌ، وَلَكِنْ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ» انْتَهَى.
ثُمَّ أَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلَا مَأْمُونٍ.
وَعَنْ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: تَرَكُوهُ، وَعَنْ النَّسَائِيّ، قَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُوهِنُهُ، انْتَهَى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَنْكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلَا إقَامَةٌ»، وَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَرَدَّهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ، تَقُومُ فِي وَسَطِهِنَّ»،انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَحَمَلَ فِعْلَهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، قَالَ السُّرُوجِيُّ: وَهَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَفِيهِ: بُعْدٌ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَبَنَى بِهَا، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ، وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تِسْعَ سِنِينَ، وَمَا تُصَلِّي إمَامًا، إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ حَمْلُهُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ؟، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَفَعَلْنَ ذَلِكَ حِينَ كَانَ النِّسَاءُ يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ ثُمَّ نُسِخَتْ جَمَاعَتُهُنَّ، انْتَهَى.
(وَمَنْ صَلَّى مَعَ وَاحِدٍ أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «صَلَّى بِهِ وَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ»، وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْإِمَامِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَضَعُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَوْ فِي يَسَارِهِ جَازَ وَهُوَ مُسِيءٌ، لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ، فَأَطْلَقَ الْقِرْبَةَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَوْكَأَ الْقِرْبَةَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقُمْت فَتَوَضَّأْت، كَمَا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْت فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي بِيَمِينِهِ فَأَدَارَنِي مِنْ وَرَائِهِ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّيْت مَعَهُ»، انْتَهَى.
أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا.
(وَإِنْ أَمَّ اثْنَيْنِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَوَسَّطُهُمَا، وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَلَنَا «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا»، فَهَذَا لِلْأَفْضَلِيَّةِ، وَالْأَثَرُ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: «رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَمَّ اثْنَيْنِ، فَتَوَسَّطَهُمَا.
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَصَلَّى مَنْ خَلْفَكُمْ؟ قَالَا: نَعَمْ، فَقَامَ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ،وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ رَكَعْنَا، فَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا، ثُمَّ طَبَقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التَّطْبِيقَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَأَذِنَ لَهُمَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ التَّوْقِيفُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ صَلَّى كَذَلِكَ بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا التَّطْبِيقُ، وَأَحْكَامٌ أُخْرَى، هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: الثَّابِتُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ فِيهِ هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ،وَهُوَ وَإِنْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ، فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ مَتْرُوكٌ، كَانَ يَكْذِبُ، وَهَذَا جَرْحٌ مُفَسَّرٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ الْأَسْوَدِ بِهِ، وَابْنُ إِسْحَاقَ مَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَالْمُدَلِّسُ إذَا عَنْعَنَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْت: كَأَنَّهُمَا ذَهِلَا، فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ، لَمْ يَرْفَعْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَرَفَعَهُ فِي الثَّالِثَةِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِيهِ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ، قَالَ فِي جَامِعِهِ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، فَقَامَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْت أَنَا وَعَلْقَمَةُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِالْهَاجِرَةِ، فَلَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ أَقَامَ الصَّلَاةَ، فَقُمْت أَنَا وَصَاحِبِي خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ صَاحِبِي، فَجَعَلَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، وَقَامَ بَيْنَنَا، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ، إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً. انتهى.
وَضَعُفَ بِابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ.
وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي ذِكْرُهُ عَقِيبَ هَذَا الْحَدِيثِ.
الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَرَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، أَوْ لِعُذْرٍ آخَرَ، لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، انْتَهَى.
وَالثَّالِثُ: ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، قَالَ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ سِيرِينَ: إنَّهُ كَانَ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَأَبُو ذَرٍّ عَنْ يَمِينِهِ، كُلُّ وَاحِدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ خَلْفَهُمَا، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ الْمَوْقِفِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَؤُمُّهُمَا، وَعَلَّمَهُ أَبُو ذَرٍّ، حَتَّى قَالَ، فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: يُصَلِّي كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا لِنَفْسِهِ»، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَلَى رِوَايَتِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَالْقَائِلِينَ بِهِ، وَبِسَلَامَتِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَنْسُوخَةِ. انتهى.
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا التَّطْبِيقُ، وَأَحْكَامٌ أُخْرَى هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ، بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «سِرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَقَامَ يُصَلِّي، قَالَ: فَجِئْت حَتَّى قُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» انْتَهَى.
قَالَ: وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ الْآخِرُ، لِأَنَّ جَابِرَ إنَّمَا شَهِدَ الْمَشَاهِدَ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ بَدْرٍ، ثُمَّ فِي قِيَامِ ابْنِ صَخْرٍ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ كَانَ مَشْرُوعًا، وَأَنَّ ابْنَ صَخْرٍ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ حَتَّى مُنِعَ مِنْهُ، وَعَرَفَ الْحُكْمَ الثَّانِيَ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ، وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا، قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِثَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْت أَنَا، وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ»، انْتَهَى.
وَالْيَتِيمُ، هُوَ ضُمَيْرَةُ بْنُ أَبِي ضُمَيْرَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ، وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُهُ: جَدَّتُهُ مُلَيْكَةُ، مَالِكٌ يَقُولُهُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى إِسْحَاقَ، وَهِيَ جَدَّةُ إِسْحَاقَ أُمِّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ زَوْجُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَنَسٍ، وَهُوَ الْقَائِلُ: إنَّ جَدَّتَهُ، وَهِيَ جَدَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أُمُّ أُمِّهِ، وَاسْمُهَا مُلَيْكَةُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ عَدِيٍّ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: «إنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهَا»، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ.
وَأُمُّ سُلَيْمٍ هِيَ أُمُّ أَنَسٍ، جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا فِي الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: الضَّمِيرُ فِي جَدَّتِهِ لِإِسْحَاقَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، وَجَدَّةُ إِسْحَاقَ، وَقِيلَ جَدَّةُ أَنَسٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَالْيَتِيمُ، هُوَ: ضُمَيْرَةُ بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ»، مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي آخَرِ مُسْلِمٍ وَهُوَ عَقِيبُ حَدِيثِ: أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ يَقْتَدُوا بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ، فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ، وَفِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ، حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يُبْنَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ، بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ، لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَاعْتُبِرَ الْعَرْضُ عَدَمًا، وَبِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالصَّبِيِّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ».
قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَهُوَ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كَانَ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا، فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الْقَالِبَيْنِ فَتَقُومُ عَلَيْهِمَا، فَتُوَاعِدُ خَلِيلَهَا، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضُ، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، قِيلَ: فَمَا الْقَالِبَانِ؟ قَالَ: أَرْجُلٌ مِنْ خَشَبٍ يَتَّخِذُهَا النِّسَاءُ، يَتَشَرَّفْنَ الرِّجَالَ فِي الْمَسَاجِدِ» انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، قَالَ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ: كَانَ شَيْخُنَا الصَّدْرُ سُلَيْمَانُ يَرْوِيهِ: الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَالنِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ، وَأَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، وَيَعْزُوهُ إلَى مُسْنَدِ رَزِينٍ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْجَاهِلُ أَنَّهُ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ.
وَقَدْ تَتَبَّعْته فَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ لَا مَرْفُوعًا، وَلَا مَوْقُوفًا، وَاَلَّذِي فِيهِ مَرْفُوعًا: «الْخَمْرُ جِمَاعُ الْإِثْمِ، وَالنِّسَاءُ حِبَالَةُ الشَّيْطَانِ، وَالشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنْ الْجُنُونِ»، لَيْسَ فِيهِ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ أَصْلًا.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ، إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ «أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا، وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ، وَأَبْنَاءَكُمْ، حَتَّى أُرِيكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعُوا، وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَصَفَّ الرِّجَالَ فِي أَدْنَى الصَّفِّ، وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ، وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ»، الْحَدِيثُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، فَأَقَامَ الرِّجَالُ يَلُونَهُ، وَأَقَامَ الصِّبْيَانُ خَلْفَ ذَلِكَ، وَأَقَامَ النِّسَاءُ خَلْفَ ذَلِكَ»، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
(وَيَصُفُّ الرِّجَالَ، ثُمَّ الصِّبْيَانَ، ثُمَّ النِّسَاءَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى»، وَلِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ مَفْسَدَةٌ فَيُؤَخَّرْنَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّبْعُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ.
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَأْتِينَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَيَمْسَحُ عَوَاتِقَنَا، وَيَقُولُ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَلِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى قَوْلِهِ: وَيَصُفُّ الرِّجَالَ، ثُمَّ الصِّبْيَانَ، ثُمَّ النِّسَاءَ، وَلَا يَنْهَضُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى تَقْدِيمِ الرِّجَالِ فَقَطْ، أَوْ نَوْعٍ مِنْ الرِّجَالِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُفُّهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَجْعَلُ الرِّجَالَ قُدَّامَ الْغِلْمَانِ، وَالْغِلْمَانَ خَلْفَهُمْ، وَالنِّسَاءَ خَلْفَ الْغِلْمَانِ»، مُخْتَصَرٌ.
(وَإِنْ) (حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إنْ نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَفْسُدَ، وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا حَيْثُ لَا تَفْسُدُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ، وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ دُونَهَا، فَيَكُونُ هُوَ التَّارِكُ لِفَرْضِ الْمَقَامِ، فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ دُونَ صَلَاتِهَا كَالْمَأْمُومِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا لَمْ تَضُرَّهُ، وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا) لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَثْبُتُ دُونَهَا عِنْدَنَا خِلَافًا، لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ فِي الْمَقَامِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْتِزَامِهِ كَالِاقْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامِ إذَا ائْتَمَّتْ مُحَاذِيَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَوَّلِ لَازِمٌ، وَفِي الثَّانِي مُحْتَمَلٌ.
(وَمِنْ شَرَائِطِ الْمُحَاذَاةِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً، وَأَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ) لِأَنَّهَا عُرِفَتْ مَفْسَدَةٌ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ.
الشرح:
قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عُرِفَتْ مَفْسَدَةٌ بِالنَّصِّ يَعْنِي الْمَرْأَةَ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ»، وَفِيهِ مَعَ ضَعْفِهِ بُعْدٌ.
أَحَادِيثُ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: أَخَذَ زِيَادُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ بِيَدِي، وَنَحْنُ بِالرَّقَّةِ، فَقَامَ بِي عَلَى شَيْخٍ، يُقَالُ لَهُ: وَابِصَةُ، فَقَالَ زِيَادٌ: حَدَّثَنِي هَذَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخُ يَسْمَعُ: أَنَّ رَجُلًا صَلَّى، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ أَصَحُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيثُ حُصَيْنٍ أَصَحُّ، وَهُوَ عِنْدِي أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو، لِأَنَّهُ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ هِلَالِ عَنْ زِيَادِ عَنْ وَابِصَةَ، انْتَهَى.
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ: أَخْبَرَنِي هَذَا الشَّيْخُ، فَكَأَنَّ هِلَالًا رَوَاهُ عَنْ وَابِصَةَ نَفْسِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِالْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَهِلَالُ بْنُ يَسَافٍ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ، وَمِنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ، فَالْخَبَرَانِ مَحْفُوظَانِ.
وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ هِلَالُ بْنِ يَسَافٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِالْأَسَانِيدِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ رَاشِدٍ رَجُلٌ لَا يُعْلَمُ حَدَّثَ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِالْعَدَالَةِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ حُصَيْنٍ، فَإِنَّ حُصَيْنًا لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فِي حُكْمٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا وَهُوَ يُضَعِّفُ أَخْبَارَهُ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ وَابِصَةَ، وَهِلَالٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ وَابِصَةَ، فَأَمْسَكْنَا عَنْ ذِكْرِهِ لِإِرْسَالِهِ. انتهى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي الْمَعْرِفَةِ: وَإِنَّمَا لَمْ يُخْرِجَاهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، لِمَا وَقَعَ فِي إسْنَادِهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَسَانِيدَ الثَّلَاثَةَ.
حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخَصْمِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «صَلَّيْنَا وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ رَأَى رَجُلًا فَرْدًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ حِينَ انْصَرَفَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اسْتَقْبِلْ صَلَاتَك، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ»، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، إنَّمَا حَدَّثَ عَنْهُ مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَأَمَّا مُلَازِمٌ، فَقَدْ اُحْتُمِلَ حَدِيثُهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَقَدْ سَكَتَ النَّاسُ عَنْ حَدِيثِهِ، وَعَلِيُّ بْنُ شَيْبَانُ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ إلَّا ابْنُهُ، وَابْنُهُ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَإِنَّمَا تَرْتَفِعُ جَهَالَةُ الْمَجْهُولِ إذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ، فَأَمَّا إذَا رَوَى عَنْهُ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ حُجَّةً، وَلَا ارْتَفَعَتْ جَهَالَتُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ شَيْبَانُ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَلَا يُعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ إلَّا النَّضْرُ، وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَدْ عَارَضَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَخْبَارٌ ثَابِتَةٌ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الَّذِي يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا، فَلْيَخْتَلِجْ إلَيْهِ رَجُلًا مِنْ الصَّفِّ، فَلْيَقُمْ مَعَهُ، فَمَا أَعْظَمُ أَجْرَ الْمُخْتَلِجِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى الْجَوَازِ:
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ دَبَّ حَتَّى انْتَهَى إلَى الصَّفِّ، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: إنِّي سَمِعْت نَفَسًا عَالِيًا، فَأَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَشِيتُ أَنْ تَفُوتَنِي الرَّكْعَةُ، فَرَكَعْتُ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ لَحِقْت الصَّفَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَادَك اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ» انْتَهَى.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْإِعَادَةِ فِي حَدِيثِ وَابِصَةَ لَيْسَ عَلَى الْإِيجَابِ، وَلَكِنْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: «وَلَا تَعُدْ» إنَّمَا هُوَ إرْشَادٌ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا، لِأَمْرِهِ بِالْإِعَادَةِ، وَالنَّهْيُ إنَّمَا وَقَعَ عَنْ السُّرْعَةِ، وَالْعَجَلَةِ إلَى الصَّلَاةِ، كَأَنَّهُ أَحَبَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ، وَلَوْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ، وَلَا يُعَجِّلُ بِالرُّكُوعِ دُونَ الصَّفِّ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِيهِ، وَفِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ: «وَلَا تَعُدْ، صَلِّ مَا أَدْرَكْت وَاقْضِ مَا سُبِقْت»، انْتَهَى.
فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ، وَيُقَوِّيهَا حَدِيثُ: «فَأْتُوا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا»، وَقِيلَ، وَقَعَ عَلَى التَّأَخُّرِ عَنْ الصَّلَاةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَفِيهِ: «فَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ خَلْفَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا» وَأَحْكَامُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: وَقَدْ وَهِمَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْعَجُوزَ لَمْ تَكُنْ وَحْدَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَهَا أُخْرَى.
حَدِيثٌ أَخْبَرَنَا بِهِ الْحُسَيْنُ، فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِسَاطٍ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَنَا» انْتَهَى.
قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَتِلْكَ الصَّلَاةُ كَانَتْ عَلَى حَصِيرٍ، وَقَامَ فِيهَا أَنَسٌ، وَالْيَتِيمُ مَعَهُ خَلْفَ الْمُصْطَفَى، وَالْعَجُوزُ وَحْدَهَا وَرَاءَهُمْ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ، وَقَامَ فِيهَا أَنَسٌ عَنْ يَمِينِ الْمُصْطَفَى، وَأُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَهُمَا، فَكَانَتَا صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
(وَيُكْرَهُ لَهُنَّ حُضُورُ الْجَمَاعَاتِ) يَعْنِي الشَّوَابَّ مِنْهُنَّ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَلَا بَأْسَ لِلْعَجُوزِ أَنْ تَخْرُجَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: يَخْرُجْنَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا) لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ إلَيْهَا، فَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْعِيدِ.
وَلَهُ أَنَّ فَرْطَ الشَّبَقِ حَامِلٌ، فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ، غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ، وَالْجَبَّانَةُ مُتَّسَعَةٌ فَيُمْكِنُهَا الِاعْتِزَالُ عَنْ الرِّجَالِ فَلَا يُكْرَهُ.
قَالَ: (وَلَا يُصَلِّي الطَّاهِرُ خَلْفَ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَحَاضَةِ، وَلَا الطَّاهِرَةُ خَلْفَ الْمُسْتَحَاضَةِ) لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْمَعْذُورِ، وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ، وَالْإِمَامُ ضَامِنٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَضْمَنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي (وَلَا) يُصَلِّي (الْقَارِئُ خَلْفَ الْأُمِّيِّ، وَلَا الْمُكْتَسِي خَلْفَ الْعَارِي) لِقُوَّةِ حَالِهِمَا.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ، وَالطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ أَصْلِيَّةٌ، وَلَهُمَا أَنَّهُ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَلِهَذَا لَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ.
(وَيَؤُمُّ الْمَاسِحُ الْغَاسِلِينَ) لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ، وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ، لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا مَعَ قِيَامِهِ حَقِيقَةً.
(وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ).
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِقُوَّةِ حَالِ الْقَائِمِ، وَنَحْنُ تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا وَالْقَوْمُ خَلْفَهُ قِيَامٌ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْت لَهَا: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: بَلَى، لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَك لِلصَّلَاةِ، قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا رَقِيقًا، فَقَالَ: يَا عُمَرُ صَلِّ أَنْتَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَجْلِسَانِي إلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَعَرَضْت عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ عَائِشَةَ، فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَك الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْت: لَا، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ»، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ قَائِمًا، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّاسُ قِيَامٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ لَهُمْ: حَدِيثُ «إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا»، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمُسْلِمٌ، وَبَاقِي السِّتَّةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا، فَصَلُّوا قُعُودًا»، وَأَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ»، الْحَدِيثَ.
لَيْسَ فِيهِ قِصَّةُ الْفَرَسِ، وَأَخْرَجَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا، فَصَلُّوا بِصَلَاتِهِ قِيَامًا، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا، فَجَلَسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثَ أَنَسٍ الْمَذْكُورَ، مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْهُ، مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ، أَوْ كَتِفُهُ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَجَلَسَ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا، وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ: قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّك آلَيْتَ شَهْرًا؟ فَقَالَ: إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ»، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ مُنْفَرِدًا بِهِ، دُونَ الْبَاقِينَ، وَتَكَلَّفَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ: صَلُّوا قِيَامًا.
وَالْبَعْضُ صَلُّوا جُلُوسًا، فَأَخْبَرَ أَنَسُ بِالْحَالَتَيْنِ، وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ مَا يُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ صَلُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا.
فَلَمَّا شَعَرَ بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسُوا، فَرَآهُمْ أَنَسٌ عَلَى الْحَالَتَيْنِ، فَأَخْبَرَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، مُخْتَصِرًا لِلْأُخْرَى، لَمْ يَذْكُرْ الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمَانِ.
الثَّانِي: وَهُوَ الْأَظْهَرُ: أَنَّهُمَا كَانَا فِي وَقْتَيْنِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي إحْدَى الْوَاقِعَتَيْنِ عَلَى قِيَامِهِمْ خَلْفَهُ، لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ تَطَوُّعًا، وَالتَّطَوُّعَاتُ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ.
وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ، فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْمِ نَخْلَةٍ، فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَأَتَيْنَاهُ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَاهُ فِي مَشْرَبَةٍ لِعَائِشَةَ، يُسَبِّحُ جَالِسًا، قَالَ: فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَسَكَتَ عَنَّا، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى نَعُودُهُ، فَصَلَّى الْمَكْتُوبَةَ جَالِسًا، فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا، قَالَ: فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: إذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، وَلَا تَفْعَلُوا، كَمَا تَفْعَلُ فَارِسُ بِعُظَمَائِهَا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ، أَنَّهُ إنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ سُبْحَةً، فَلَمَّا حَضَرَتْ الْفَرِيضَةُ أَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسُوا، فَكَانَ أَمْرَ فَرِيضَةٍ لَا فَضِيلَةٍ، انْتَهَى.
قُلْت: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَاتِ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «قَالَ، لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إيَّاكِ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ، فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ» انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. انتهى.
وَأَصْحَابُنَا يَجْعَلُونَ أَحَادِيثَ: «إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا»، مَنْسُوخَةً بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ: أَنَّهُ صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، وَبِحَدِيثِ: «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا»، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ، لَكِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَقَعَ فِيهِ اضْطِرَابٌ لَا يَقْدَحُ فِيهِ، فَاَلَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إمَامًا، وَأَبُو بَكْرٍ مَأْمُومًا، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْعَكْسُ، كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ، صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ»، انْتَهَى.
وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَارِضُ مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ، مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ جَمَعُوا بَيْنَهُمَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَامًا هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، يَوْمَ السَّبْتِ، أَوْ الْأَحَدِ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا مَأْمُومًا هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَهِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا، قَالَ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا يَثْبُتُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِي صَلَاتِهِمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَكَشْفِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ السِّتْرَ، ثُمَّ إرْخَائِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، ثُمَّ إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ فَأَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْلَعَ عَنْهُ الْوَعْكُ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ، فَغَدَا إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَغُلَامٍ لَهُ، وَقَدْ سَجَدَ النَّاسُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى قَامَ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِهِ، فَقَدَّمَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَصَفَّا جَمِيعًا، وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ يَقْرَأُ، فَرَكَعَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قَضَى سُجُودَهُ، فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ»، فَذَكَر الْقِصَّةَ فِي دُعَائِهِ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَعَهْدِهِ إلَيْهِ فِيمَا بَعَثَهُ فِيهِ، ثُمَّ فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَالصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ مَأْمُومٌ، هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ الْعَبَّاسِ، وَعَلِيٍّ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا إمَامًا، هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَغُلَامٍ لَهُ، وَفِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ.
قُلْت: وَحَدِيثُ كَشْفِ السِّتَارَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ «كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ، كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ، فَنَظَرَ إلَيْنَا، وَهُوَ قَائِمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا، قَالَ: فَبُهِتْنَا، وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ».
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ زَائِدَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ بِهِ: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ»، انْتَهَى.
قَالَ: فَهَذَا شُعْبَةُ قَدْ خَالَفَ زَائِدَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَهُمَا ثَبْتَانِ حَافِظَانِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَصُلِّيَ بِالنَّاسِ؟ قُلْنَا: لَا، الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: فَخَرَجَ بَيْنَ ثُوَيْبَةَ وَبَرِيرَةَ، فَأَجْلَسَتَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَهُوَ جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ»، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ خَالَفَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ، عَاصِمَ بْنَ أَبِي النَّجُودِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا».
قَالَ وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، وَنُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ حَافِظَانِ ثِقَتَانِ.
قَالَ: وَأَقُولُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا صَحِيحَةٌ، لَيْسَ فِيهَا تَعَارُضٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ: فِي إحْدَاهُمَا كَانَ إمَامًا، وَفِي الْأُخْرَى كَانَ مَأْمُومًا، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي خَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ: الْعَبَّاسِ، وَعَلِيٍّ»، وَفِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ عَنْهُمَا: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ بَيْنَ: بَرِيرَةَ، وَثُوَيْبَةَ»، انْتَهَى.
وَفِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ مَا يَقْتَضِي الْمَيْلَ إلَى أَنَّ حَدِيثَ: «إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا»، مَنْسُوخٌ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ آخِرُ مَا صَلَّى صَلَّى قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ، فَالْآخِرُ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ لَمْ يَرَ بِالنَّسْخِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا، كَانَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا، وَأَفْتَى بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ،وَقَيْسُ بْنُ فَهْدٍ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ هَذَا، بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ، وَلَا مُنْقَطِعٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَالْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَفْتَى بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ خِلَافُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَا وَاهٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْ التَّابِعِينَ أَيْضًا.
وَأَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ ذَلِكَ فِي الْأُمَّةِ: الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَنْ حَمَّادٍ أَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَأَعْلَى حَدِيثٍ احْتَجُّوا بِهِ، حَدِيثٌ رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا»، وَهَذَا لَوْ صَحَّ إسْنَادُهُ لَكَانَ مُرْسَلًا، وَالْمُرْسَلُ عِنْدَنَا وَمَا لَمْ يُرْوَ سِيَّانِ، لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا إرْسَالَ تَابِعِيٍّ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، لَزِمَنَا قَبُولُ مِثْلِهِ عَنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَإِذَا قُلْنَا لَلَزِمَنَا قَبُولُهُ مِنْ أَتْبَاعِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ يُقْبَلَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، إذَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذَا نَقْضُ الشَّرِيعَةِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُجَرِّحُ جَابِرًا الْجُعْفِيِّ وَيُكَذِّبُهُ، ثُمَّ لَمَّا أَخْطَرَهُ الْأَمْرُ جَعَلَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَنَا بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَطَّانُ بِالرَّقَّةِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ سَمِعْت أَبَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ سَمِعْت أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: مَا رَأَيْت فِيمَنْ لَقِيت أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءٍ، وَلَا لَقِيت فِيمَنْ لَقِيت أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، مَا أَتَيْته بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي قَطُّ إلَّا جَاءَنِي فِيهِ بِحَدِيثٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَرْجَمَةَ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ هَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ غَيْرُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَرَوَاهُ عَنْ الْجُعْفِيِّ مُجَالِدٌ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَفِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ فِي رِوَايَتِهِ مَذْمُومٌ فِي رَأْيِهِ، ثُمَّ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْهُ عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ: لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ جَالِسًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ صَلَّى، وَهُوَ مَرِيضٌ جَالِسًا، وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ جُلُوسًا».
وَأَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَسِيد بْنَ حُضَيْرٍ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا فَعَلَا مِثْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا بِالنَّاسِخِ، وَكَذَلِكَ مَا حُكِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَمُّوا جَالِسِينَ، وَمَنْ خَلْفَهُمْ جُلُوسٌ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ النَّسْخُ، وَعِلْمُ الْخَاصَّةِ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضٍ، وَيَعْزُبُ عَنْ بَعْضٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْإِمَامِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا مِنْ مَرَضٍ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُصَلُّونَ قُعُودًا، اقْتِدَاءً بِهِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَحَدِيثِ أَنَسٍ: وَإِذَا صَلَى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَقَيْسُ بْنُ فَهْدٍ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يُصَلُّونَ قِيَامًا: وَلَا يُتَابِعُونَهُ فِي الْجُلُوسِ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَادَّعَوْا نَسْخَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ بِأَحَادِيثَ أُخْرَى: مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «صَلَّى بِالنَّاسِ جَالِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ قَائِمٌ»، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إمَامًا حَقِيقَةً، لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِإِمَامَيْنِ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْإِمَامَ، وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ يُبَلِّغُ النَّاسَ، فَسُمِّيَ لِذَلِكَ إمَامًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَقْوَى الِاحْتِجَاجُ عَلَى أَحْمَدَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى جَالِسًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ»، بَلْ وَلَا يَصْلُحُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ صَلَاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاتِهِ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ لِعُذْرٍ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا مِنْهُ، سِيَّمَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ»، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ.
وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ: وَهِيَ رِوَايَةٌ مُرْسَلَةٌ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا رَوَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ فِيهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ مَثَالِبَ فِي دِينِهِ.
قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَثِيرًا مَا يُرْسِلُ، وَلَا يَذْكُرُ مَنْ حَدَّثَهُ، حَتَّى قَالُوا: إنَّ جَمِيعَ مَسْمُوعَاتِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا، وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، جَمَعَهَا الْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ، هُوَ أَنْ يُحْمَلَ أَحَادِيثُهُ كُلُّهَا عَلَى السَّمَاعِ الْمُتَّصِلِ، حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ، أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ بِوَاسِطَةٍ، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: إنَّهُ مُرْسَلٌ، وَذَلِكَ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ الْعَبَّاسِ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ أَرَقْمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَبَّاسِ، قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَقَرَأَ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُ هَذَا الْكَلَامَ يُرْوَى إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ قَيْسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ».
قَالَ وَكِيعٌ: وَكَذَا السُّنَّةُ، مُخْتَصَرٌ.
(وَيُصَلِّي الْمُومِئُ خَلْفَ مِثْلِهِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَالِ، إلَّا أَنْ يُومِئَ الْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا وَالْإِمَامُ مُضْطَجِعًا، لِأَنَّ الْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ، فَتَثْبُتُ بِهِ الْقُوَّةُ.
(وَلَا يُصَلِّي الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ خَلْفَ الْمُومِئِ) لِأَنَّ حَالَ الْمُقْتَدِي أَقْوَى، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَلَا يُصَلِّي الْمُفْتَرِضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءٌ، وَوَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ مَعْدُومٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ، قَالَ: (وَلَا مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا آخَرَ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّحَادِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَصِحُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَهُ أَدَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ، وَعِنْدَنَا مَعْنَى التَّضَمُّنِ مُرَاعًى.
(وَيُصَلِّي الْمُتَنَفِّلُ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي حَقِّهِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، فَيَتَحَقَّقُ الْبِنَاءُ.
الشرح:
أَحَادِيثُ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ النَّافِلَةِ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى الْمَنْعِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ».
قَالُوا: وَاخْتِلَافُ النِّيَّةِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ.
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا»، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ.
وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاءَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ، هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: «فَيُصَلِّي بِهِمْ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ»، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ، وَلِأَصْحَابِنَا عَنْهُ أَجْوِبَةً، اسْتَوْفَاهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: أَحَدُهَا: أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْإِنْكَارِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرْطُ ذَلِكَ عِلْمُهُ بِالْوَاقِعَةِ، وَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلِمَ بِهَا.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ سُلَيْمٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا بَعْدَمَا نَنَامُ، وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ، فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ، فَنَخْرُجُ إلَيْهِ، فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ»، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الْأَمْرَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَجْمَعُهُمَا، لِأَنَّهُ قَالَ: «إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي» أَيْ........، وَلَا تُصَلِّ بِقَوْمِك: «وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِك»، أَيْ، وَلَا تُصَلِّيَ مَعِي.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِخْبَارِ النَّاوِي، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ كَانَ يَجْعَلُ صَلَاتَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ، لِيَتَعَلَّمَ سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ مِنْهُ، وَأَفْعَالَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَأْتِيَ قَوْمَهُ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْفَرْضَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى: وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَنْ قَوْمِك» ظَاهِرٌ فِي مَنْعِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى صَلَّى مَعَهُ امْتَنَعَتْ إمَامَتُهُ، وَبِالْإِجْمَاعِ لَا تَمْتَنِعُ إمَامَتُهُ بِصَلَاةِ النَّفْلِ مَعَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْفَرْضِ، وَأَنَّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّيهِ مَعَهُ كَانَ يَنْوِيهِ نَفْلًا، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْعُذْرِ، بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الِاسْتِبْعَادُ مِنْ مُعَاذٍ، أَنْ يَتْرُكَ فَضِيلَةَ الْفَرْضِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْتِيَ بِهِ مَعَ قَوْمِهِ، قَالُوا: وَكَيْفَ يُظَنُّ بِمُعَاذٍ بَعْدَ سَمَاعِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ»، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: «إلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ»، أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ مَعَ قِيَامِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَعَلَّ صَلَاةً وَاحِدَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي عُمُرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِهِ وَمُسْنَدِهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ طَرِيقٍ أَثْبَتَ مِنْ هَذَا، وَلَا أَوْثَقَ رِجَالًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَذَكَرَا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَقَدْ رُوِيَتْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قُلْنَا: أَمَّا الِاسْتِبْعَادُ فَلَيْسَ بِقَدْحٍ، سِيَّمَا، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُ الْمُسْتَبْعَدَ، كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا هَذِهِ الزِّيَادَةُ، فَلَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الرُّوَاةِ، وَلَعَلَّهَا مِنْ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ عَلَيْهِ، وَلَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَيَكُونُ مِنْهُ ظَنًّا وَاجْتِهَادًا وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ»، فَقَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنَّ مَفْهُومَهُ أَنْ لَا يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ الصَّلَاةِ الَّتِي تُقَامُ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ وُقُوعُ الْخِلَافِ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا الْمَحْذُورُ مُنْتَفٍ، مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الصَّلَاةِ الْمُقَامَةِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَلَوْ تَنَاوَلَهُ النَّهْيُ لَمَا جَازَ مُطْلَقًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ حَتَّى نُهِيَ عَنْهُ،ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: «لَا تُصَلِّي صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ».
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَهَذَا مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَثْبَتَ النَّسْخَ بِالِاحْتِمَالِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاقِعًا، أَعْنِي صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ قَالَ: وَلَكِنْ قَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى النَّسْخِ بِتَقْرِيرٍ حَسَنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ إسْلَامَ مُعَاذٍ مُتَقَدِّمٌ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ صَلَاةَ الْخَوْفِ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَلَى وَجْهٍ وَقَعَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ، فَيُقَالُ: لَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَأَمْكَنَ إيقَاعَ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ الْمُنَافَاةُ، وَالْمُفْسِدَاتُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَحَيْثُ صُلِّيَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعَ إمْكَانِ رَفْعِ الْمُفْسِدَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَبَعْدَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ يَبْقَى النَّظَرُ فِي التَّارِيخِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَهَذَا التَّقْرِيرُ إنَّمَا يَمْشِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ، يَعْنِي فَلَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاةَ مَرَّتَيْنِ، فَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى الصَّلَاةَ كَامِلَةً، عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ أَعْنِي فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ جُلُوسِهِمْ يَحْرُسُونَ الْعَدُوَّ، وَرُجُوعِهِمْ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِعَادَتِهِمْ لِمَا فَاتَهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ ذَلِكَ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ بَعْدَ حَدِيثِ مُعَاذٍ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهُ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَفَسَّرَهُ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ حِينَ كَانَ الْفَرْضُ يُفْعَلُ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمٍ، فَقَدْ ادَّعَى مَا لَا يَعْرِفُهُ، إذْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى النَّسْخِ سَبَبٌ وَلَا تَارِيخٌ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ مُعَاذٍ، لِلِاخْتِلَافِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى رُوَاةِ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُرَغِّبُهُمْ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، فَنُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ، فَقَالَ: «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ»، أَيْ كِلْتَاهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ غِنًى عَنْ مُعَاذٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِمُعَاذٍ غِنًى عَنْ صَلَاتِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَائِلُهُ مَعْنَى النَّسْخِ، فَيَكُونُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِمَّا أُبِيحَ بِحَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَيَرْتَفِعُ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا، وَلَا يَكُونُ نَسْخًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَهُوَ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ عِلَّةً لِهَذَا الْفِعْلِ، وَلِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُون سَبَبًا لِارْتِكَابِ مَمْنُوعٍ شَرْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلُّوا مَعَهُ، فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ، فَصَلُّوا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ»، انْتَهَى.
فصلَاتُهُ الثَّانِيَةُ وَقَعَتْ نَفْلًا لَهُ وَفَرْضًا لِأَصْحَابِهِ، وَهُمْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَلَيْسَ فِيهِ التَّسْلِيمُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «أَقْبَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ»، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَقَالَ: وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «أَقْبَلْنَا»، الْحَدِيثُ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا مُتَّصِلًا بِإِسْنَادِهِ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِصَّةَ الصَّلَاةِ، وَوَهِمَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ فَذَكَرَهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَعَزَا حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ، لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ، وَلَمْ يَرْوِهِ التِّرْمِذِيُّ أَصْلًا، وَلَكِنِّي لَمْ أَعْتَمِدْ عَلَى النُّسْخَةِ، فَلْيُرَاجَعْ، وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ هَذَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ، كَمَا فَهِمَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَيُفَسِّرُهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، كَمَا فَهِمَهُ النَّوَوِيُّ، بَلْ قَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي الْخَوْفِ بِبَطْنِ نَخْلَةَ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحَاصِرًا لِبَنِي مُحَارَبٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ»، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، إلَّا أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ شَيْخَ الشَّافِعِيِّ فِيهِ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيهِ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْوَاسِطِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، يَأْتِي بِالطَّامَّاتِ، وَقَالَ الْفَلَّاسُ: كَانَ مُخْتَلِطًا لَا يُرْوَى عَنْهُ.
وَقَدْ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد حَدِيثًا مَقْرُونًا بِحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَالِاسْتِدْلَالُ، عَلَى الْحَنَفِيَّةِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ عِنْدَهُمْ رَكْعَتَانِ، وَالْقَصْرُ عَزِيمَةٌ، فَإِنْ صَلَّى الْمُسَافِرُ أَرْبَعًا، وَقَعَدَ فِي الْأُولَى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَكَانَتْ الْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةً، وَقَدْ ذَهِلَ عَنْ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ، وَقَالُوا: لَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِمْ، إلَّا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، أَوْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَدْ أَجَابَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ هَذَا أَيْضًا بِالنَّسْخِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نِزَاعُهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتًا، كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: نَهَى أَنْ تُصَلَّى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ قَالَ: وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ مَرَّتَيْنِ فِي الْمَسَاجِدِ: مَنَعَهَا مَالِكٌ، وَأَجَازَهَا الْبَاقُونَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي صِحَاحِهِمْ، قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ، وَسُلَيْمَانُ الْأَسْوَدُ، وَهُوَ ابْنُ سُخَيْمٍ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي مُوسَى وَالْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ لَهُ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ»، انْتَهَى.
وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ الَّذِي قَامَ فَصَلَّى مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟»، انْتَهَى.
وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخِطْمِيَّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى الظُّهْرَ، وَقَعَدَ فِي الْمَسْجِدِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَلَا رَجُلٌ يَقُومُ فَيَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟»، انْتَهَى.
وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: الْفَضْلُ بْنُ مُخْتَارٍ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، وَنَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَشْرَسَ ثَنَا أَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى، فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ.
(وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ أَمَّ قَوْمًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَعَادَ صَلَاتَهُ وَأَعَادُوا» وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَنَحْنُ نَعْتَبِرُ مَعْنَى التَّضَمُّنِ، وَذَلِكَ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ أَمَّ قَوْمًا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا، أَوْ جُنُبًا أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَأَعَادُوا».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ جُنُبًا، قَالَ: يُعِيدُ، وَيُعِيدُونَ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ وَأَعَادُوا» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَالْبَيَاضِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَبُو جَابِرٍ الْبَيَاضِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، كَانَ مَالِكٌ لَا يَرْتَضِيهِ، وَكَانَ ابْنُ مَعِينٍ يَرْمِيهِ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ رَوَى عَنْ الْبَيَاضِيُّ بَيَّضَ اللَّهُ عَيْنَيْهِ، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: لَا يُعْرَفُ إلَّا عَنْ الْبَيَاضِيُّ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَرَمَاهُ ابْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَمِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُعِيدُ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ».
وَفِي سَنَدِهِمَا اضْطِرَابٌ، لَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَهَذَا سَنَدُ الصَّحِيحِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ، ثُمَّ رَجَعَ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْبَاقُونَ فِي الطَّهَارَةِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بَابُ إذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ، يَخْرُجُ كَمَا هُوَ، وَلَا يَتَيَمَّمُ، وَبَوَّبَ لَهُ مُسْلِمٌ بَابُ خُرُوجِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ لِلْغُسْلِ، وَبَوَّبَ لَهُ أَبُو دَاوُد بَابُ الْجُنُبِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ، وَهُوَ نَاسٍ، وَبَوَّبَ لَهُ النَّسَائِيّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذَكَّرَ الْجَنَابَةَ، قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ: «فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ، قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ، فَانْصَرَفَ» الْحَدِيثَ، فَلَا يَصِيرُ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ.
لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ، أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي كُنْت جُنُبًا» انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ، وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ، فَمَكَثُوا، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَاغْتَسَلَ، وَكَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: إنِّي خَرَجْتُ إلَيْكُمْ جُنُبًا، وَإِنِّي نَسِيتُ حَتَّى قُمْتُ فِي الصَّلَاةِ»، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ،أَوْ بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ، عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ، انْتَهَى.
وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ هُنَا وَهْمٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمَ، وَفِيهِ: «حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ فَانْصَرَفَ»، الْحَدِيثَ، إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، لَيْسَتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ صَلَّى بِالْقَوْمِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ، فَأَعَادُوا، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، رَمَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِالْكَذِبِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ وَكِيعٌ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَرْوِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ شَيْئًا قَطُّ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ عَلِيَّ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَعَادَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُطَّرِحٍ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: صَلَّى عُمَرُ بِالنَّاسِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، وَلَمْ يُعِدْ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ صَلَّى مَعَك أَنْ يُعِيدُوا، قَالَ: فَرَجَعُوا إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، قَالَ الْقَاسِمُ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ لِلْخَصْمِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَيُّمَا إمَامٍ سَهَا، فَصَلَّى بِالْقَوْمِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُمْ، وَلْيَغْتَسِلْ هُوَ، ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ، وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَمِثْلُ ذَلِكَ»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ جُوَيْبِرًا مَتْرُوكٌ، وَالضَّحَّاكَ لَمْ يَلْقَ الْبَرَاءَ.
وَاحْتَجَّ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ لِمَذْهَبِهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَلَهُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا، فَلَكُمْ، وَعَلَيْهِمْ»، انْتَهَى.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
(وَإِذَا صَلَّى أُمِّيٌّ بِقَوْمٍ يَقْرَءُونَ وَبِقَوْمٍ أُمِّيِّينَ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا: صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ تَامَّةٌ) لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ أَمَّ قَوْمًا مَعْذُورِينَ وَغَيْرَ مَعْذُورِينَ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَّ الْعَارِي عُرَاةً وَلَابِسِينَ، وَلَهُ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِالْقَارِئِ تَكُونُ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا، لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي.
(وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي الْأُمِّيُّ وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ جَازَ) هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ (فَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَيَيْنِ، ثُمَّ قَدَّمَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أُمِّيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تَفْسُدُ لِتَأَدِّي فَرْضَ الْقِرَاءَةِ، وَلَنَا أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا تُخَلَّى عَنْ الْقِرَاءَةِ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، وَلَا تَقْدِيرَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ، لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ، وَكَذَا عَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.